اختر صفحة

“لا توجد دعاية سيئة”… كم مرة سمعت هذه الجملة؟ في عالم المشاهير، يبدو أن أي ظهور إعلامي، حتى لو كان فضيحة، يعتبر مكسبا. لكن، هل هذا صحيح دائما؟ في هذه الحلقة، نغوص في عالم الأضواء لنكشف الحقيقة وراء الشهرة السلبية. سنرى كيف استغل البعض الجدل ليصعد إلى القمة، وكيف سقط آخرون من العلياء بسبب زلة لسان أو صورة مسربة. هذه ليست مجرد حلقة عن المشاهير، بل دعوة للتفكير النقدي في العالم الذي نعيش فيه.

هل فعلا… لا توجد دعاية سيئة؟

هل سمعت يوما أحدهم يقول، وهو يتابع أخبار فضيحة لأحد المشاهير: “لا يهم، في النهاية، كل دعاية هي دعاية جيدة”؟ تبدو فكرة منطقية للوهلة الأولى، أليس كذلك؟ الأهم هو أن يبقى اسمك على كل لسان، سواء بالخير أو بالشر. هذه المقولة، التي يعتقد أن رائد العروض الترفيهية “بي تي بارنم” قد أطلقها، أصبحت قاعدة ذهبية يتبعها الكثيرون في عالم الشهرة والأعمال. لكن، هل هي حقيقة مطلقة؟ أم أنها واحدة من تلك الخرافات التي نرددها دون تفكير؟ اليوم، سنضع هذه المقولة تحت المجهر، وسنكتشف معا أن الشهرة السلبية سلاح ذو حدين؛ يمكن أن يصنع منك أسطورة، أو يمحو وجودك تماما.

متى تنجح الدعاية السيئة؟ سر “تأثير التعرف البحت”

لنكن صادقين، أحيانا تنجح الفضيحة فعلا. تخيل معي فنانا مبتدئا أو شخصية على إنستغرام تسعى للشهرة. قبل الجدل، لم يكن أحد يعرف اسمها. وفجأة، بعد تصريح مستفز أو موقف غريب، يصبح اسمها “ترند” على كل المنصات. هنا يكمن السحر النفسي الذي يسمى “تأثير التعرف البحت” (Mere-exposure effect).

هذه النظرية تقول ببساطة إن البشر يميلون إلى تفضيل الأشياء المألوفة لديهم. فعندما يتكرر اسم هذه الشخصية أمامك مرارا وتكرارا، حتى في سياق سلبي، يبدأ عقلك الباطن في تسجيله كشيء “معروف” و “مهم”. الأمر أشبه برؤية إعلان لمنتج ما مئة مرة، في النهاية، عندما تذهب إلى المتجر، قد تجد نفسك تمد يدك إليه دون وعي. لهذا، بالنسبة للمجهولين، أي شهرة، حتى لو كانت سيئة، هي أفضل من أن لا يعرفك أحد على الإطلاق. إنها ببساطة تضعك على الخريطة.

خطورة السير على الحبل: عائلة كارداشيان كمثال

إذا أردنا الحديث عن إمبراطورية بنيت على أساس الجدل، فلا بد من ذكر عائلة كارداشيان-جينر. كيم كارداشيان، قبل أن تصبح سيدة أعمال تقدر ثروتها بالمليارات، بدأت مسيرتها بشهرة سلبية ناتجة عن تسريب شريط خاص. بدلا من الانكسار، استغلت هي وعائلتها الذكية تلك الأضواء المفاجئة لإطلاق برنامج واقع أصبح ظاهرة عالمية. لقد أتقنوا فن تحويل كل شيء إلى محتوى: الخلافات العائلية، وعلاقات الحب الفاشلة، وحتى أزماتهم النفسية. كانوا يعلمون أن كل عنوان صحفي، سلبيا كان أم إيجابيا، يترجم إلى مشاهدات أعلى، ومتابعين أكثر، وفي النهاية، عقود إعلانات ومنتجات بقيمة ملايين الدولارات. إنهم أكبر دليل حي على أنه يمكنك فعلا بناء قصر من حجارة النقد التي ترمى عليك.

الجانب المظلم: متى تدمرك الشهرة السلبية؟

لكن، انتظر قليلا! قبل أن تبدأ في التخطيط لفضيحتك الخاصة، دعنا ننظر إلى الجانب الآخر من العملة. ما ينجح مع شخصية تلفزيون الواقع قد يكون قاتلا لممثل جاد أو موسيقي محترم. المشكلة تكمن في أن الشهرة السلبية ترسم حولك صورة ذهنية قد يستحيل محوها. بمجرد أن يرتبط اسمك بالكذب، أو الغرور، أو العنف، أو أي صفة مقيتة أخرى، يصبح هذا الارتباط جزءا من “علامتك التجارية”. وفي عصر “ثقافة الإلغاء” (Cancel Culture)، يمكن لتغريدة قديمة أو فعل طائش أن يطاردك لسنوات، فيؤدي إلى فسخ عقود الرعاية، وإلغاء الأفلام، ونفور الجمهور. تخيل ممثلا كان يعرف بأدواره الملهمة، ثم يتورط في فضيحة عنف أسري. هل سيصدقه الجمهور مجددا وهو يلعب دور البطل النبيل؟ على الأرجح لا. لأن الصورة قد تحطمت.

الخط الأحمر: حين تصبح الشهرة جريمة

هناك خط فاصل واضح لا يمكن تجاوزه: القانون والأخلاق العامة. حين تتحول الدعاية السلبية من مجرد “جدل” أو “سوء فهم” إلى فعل يجرمه القانون، مثل العنصرية الصريحة، أو خطاب الكراهية، أو الجرائم الجنسية، أو الاحتيال، فإن المقولة تنهار تماما. في هذه الحالات، لا يتعلق الأمر بإعجاب الجمهور أو عدمه، بل بالعواقب القانونية والرفض المجتمعي الكامل. مهما كنت مشهورا أو غنيا، فإن ارتكابك لجريمة سيضع نهاية مؤكدة لمسيرتك المهنية في معظم الأحيان. لم يعد الجمهور يقبل بفصل “الفن” عن “الفنان” بسهولة كما كان في الماضي. العالم يتغير، ومعه تتغير المعايير التي نحكم بها على شخصياتنا العامة.

إذن، ما الخلاصة؟ لنفكر بعمق أكبر

الحقيقة هي أن مقولة “كل دعاية هي دعاية جيدة” هي تبسيط مخل لواقع معقد. يمكننا أن نقول إنها تنطبق أحيانا، ولكن بشروط. تنجح عندما تكون مجهولا وتريد فقط لفت الأنظار. وقد تنجح إذا كانت “علامتك التجارية” مبنية أصلا على إثارة الجدل وكسر القواعد. لكنها تفشل فشلا ذريعا عندما تتعارض الفضيحة مع الصورة التي بنيتها لنفسك، أو عندما تتجاوز الخطوط الحمراء للأخلاق والقانون. إنها لعبة خطرة، والنجاح فيها يعتمد على من أنت، وماذا فعلت، وكيف يراك جمهورك.

وهذا يقودنا إلى الجزء الأهم: دورنا نحن كجمهور. نحن الذين نقرر من يستحق الأضواء ومن يجب أن يتوارى في الظل. كل نقرة، وكل مشاهدة، وكل تعليق، هو بمثابة تصويت منا على المحتوى الذي نريد رؤيته. فقبل أن ننجرف وراء أي “ترند” أو فضيحة، لنسأل أنفسنا: هل هذا الشخص يستحق اهتمامنا؟ هل نريد حقا أن نكافئ هذا النوع من السلوك بشهرة أكبر؟

والآن، أريد أن أسمع رأيكم. بعد كل هذا الكلام، هل ما زلتم تؤمنون بأن كل دعاية هي دعاية جيدة؟ ومتى، من وجهة نظركم، يتحول الجدل إلى سم قاتل للمسيرة المهنية؟ شاركونا أفكاركم في التعليقات!